رائد الهاشمي
سفير ألنوايا ألحسنة
باحث وخبير اقتصادي
ألفقر في أبسط تعاريفه هو عدم قدرة الفرد على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة وانخفاض قدرته الشرائية بشكل كبير ومعاناته من مستويات منخفضة في التعليم والرعاية الصحية وتوفر المياه النقية صحياً للاستهلاك البشري والصرف الصحي ومستوى الغذاء الصحي كماً أو نوعاً وضعف الخدمات العامة, وهو الوجه الآخر لصور التمايز الاجتماعية واللامساواة.
يعتبر الفقر من أكبر المشاكل التي تنتشر في معظم دول العالم وتحظى باهتمام المنظمات الأممية وتوضع من أجل مكافحته أو تقليل معدلاته عشرات الدراسات العلمية والبرامج والتوصيات العامة للحكومات لتبني هذه البرامج من أجل تحقيق أهدافها المرسومة لتقليل معاناة الافراد الذين يعيشون تحت خط الفقر.
هناك أسباب عديدة للفقر تم تحديدها في مختلف الدراسات العلمية ولاأريد الخوض فيها في هذه الأسطر القليلة ولكن أريد التركيز على أهم هذه الأسباب وهو (سوء الأداء الحكومي) في إدارة مفاصل الدولة وعدم تبني مبدأ العدالة في توزيع ثروات البلد بين المواطنين وانتشار الفساد بشكل كبير في معظم مؤسسات الدولة وهذا مايحدث تماماً في العراق, فعلى الرغم من توفر الثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية الكبيرة التي تكفي لتحقيق رفاهية للمواطن العراقي وتجعله يعيش في بحبوحة اقتصادية كبيرة وقدرة شرائية عالية نجد أن حال المواطن العراقي أصبح في أسوأ حالاته ويعاني من انخفاض كبير في قدرته الشرائية ووصلت معدلات الفقر الى أرقام مقلقة.
التناحرات السياسية والمصالح الحزبية والشخصية وعدم الاعتماد على الكفاءات العلمية في إدارة المؤسسات الحكومية وضعف القضاء وغياب الرقابة على المال العام وضعف الإجراءات الرادعة بحق الفاسدين أوصل المواطن العراقي الى هذا الحال البائس وجعل آلاف العوائل ترزخ تحت خط الفقر.
ان استمرار ارتفاع معدلات الفقر في البلد تهدد بعواقب وخيمة منها تهديد عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة بأنواعها وازدياد حالات الانخراط في التنظيمات الارهابية التي تبحث عن ضحاياها في الفئات الفقيرة المعدمة.
المطلوب من الحكومة إتخاذ إجراءات حقيقية لمكافحة ظاهرة الفقر والعمل على تقليل معدلاتها الى أكبر قدر ممكن وهذا لايمكن تحقيقه مالم تتبنى استراتيجية جادة للحد من الفقر على المدى الطويل وتتضمن إعادة صياغة السياسات العامة للدولة في عدة محاور رئيسية منها تحقيق العدالة في توزيع ثروات البلد بين المواطنين و القناعة بأن التنمية البشرية هي وحدها القادرة على أن تحدث النمو الاقتصادي في البلد, وتبني خطوات جادّة في تفعيل التنمية الاقتصادية الحقيقية وخاصة عن طريق النهوض بالقطاعات المنتجة وعلى الأخص الصناعة والزراعة والسياحة والتي سيكون لها اثراً كبيراً في توفير فرص عمل كثيرة للعاطلين وبالتالي ستعمل على تقليل معدلات الفقر في البلاد والعمل على النهوض بالقطاع الخاص ودعمه ليكون سانداً للقطاع العام وبالتالي سيعمل على استقطاب عدد كبير من العاطلين عن العمل ويوفر لهم مورداً مالياً, وكذلك العمل على تعديل أساليب إدارة الميزانيات الحكومية والإنفاق العام مع إعادة جدولة الإنفاق العام لإحداث توازن بين المناطق الفقيرة (وأغلبها ريفية) والمناطق المرتفعة الدخل (أغلبها المدن الكبرى والعاصمة) والعمل على اتخاذ إجراءات حقيقية في القضاء على الفساد المستشري والضرب بيد من حديد على الفاسدين الذين استباحوا المال العام باستغلال مناصبهم الحكومية والسياسية.
دعوتي للحكومة بالإسراع بتبني هذه الاستراتيجية للحد من الفقر ووضع الأسس السليمة لها والعمل بشكل حقيقي على رفع المعاناة الكبيرة للفقراء لأن إهمال ذلك يهدّد بثورة جياع قادمة لامحال تقتلع كل العروش والأحزاب وتسير بالبلد الى منزلق خطير لاتحمد عقباه.